فصل: بَابُ التَّيَمُّمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ التَّيَمُّمِ:

قَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ التَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْقَائِلِ:
وَمَا أَدْرِي إذَا يَمَّمْتُ ** أَرْضًا أُرِيدُ الْخَيْرَ أَيُّهُمَا يَلِينِي

أَيْ قَصَدْت، وَفِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ إلَى الصَّعِيدِ لِلتَّطْهِيرِ الِاسْمُ شَرْعِيٌّ فِيهِ مَعْنَى اللُّغَةِ (وَثُبُوتُ التَّيَمُّمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} وَنُزُولُ الْآيَةِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ حِينَ عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَسَقَطَ عِقْدُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَمَّا ارْتَحَلُوا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ رَجُلَيْنِ فِي طَلَبِهِ وَنَزَلُوا يَنْتَظِرُونَهُمَا فَأَصْبَحُوا وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَغْلَظَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَالَ حَبَسْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ فَلَمَّا صَلَّوْا جَاءَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ إلَى مِضْرَبِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَجَعَلَ يَقُولُ مَا أَكْثَرَ بَرَكَتَكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ يَرْحَمُكِ اللَّهُ يَا عَائِشَةُ مَا نَزَلَ بِك أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَرَجًا.
وَالسُّنَّةُ مَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَيَمَّمَتْ وَصَلَّيْتُ» وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ» إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ يَنْتَظِرُ مَنْ لَا يَجِدُ الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ صَعِيدًا طَيِّبًا وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى طَمَعٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَرْجُو ذَلِكَ لَا يُؤَخِّرْ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا الْمَعْهُودِ؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ إذَا كَانَ مُفِيدًا، فَإِذَا كَانَ عَلَى طَمَعٍ فَالِانْتِظَارُ مُفِيدٌ لَعَلَّهُ يَجِدُ الْمَاءَ فَيُؤَدِّي الصَّلَاةَ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ الْمَاءِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ.
ثُمَّ بَيَّنَ صِفَةَ التَّيَمُّمِ فَقَالَ (يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَرْفَعُهُمَا فَيَنْفُضُهُمَا وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ يَضَعُ يَدَيْهِ ثَانِيَةً عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَرْفَعُهُمَا فَيَنْفُضُهُمَا ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا كَفَّيْهِ وَذِرَاعَيْهِ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ.
قَالَ: فَإِنْ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَلَمْ يَمْسَحْ ظَهْرَ كَفَّيْهِ لَمْ يُجْزِهِ) فَقَدْ ذَكَرَ الْوَضْعَ، وَالْآثَارُ جَاءَتْ بِلَفْظِ الضَّرْبِ «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَمَّا يَكْفِيك ضَرْبَتَانِ» وَالْوَضْعُ جَائِزٌ وَالضَّرْبُ أَبْلُغُ لِيَتَخَلَّلَ التُّرَابُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَيَنْفُضُهُمَا مَرَّةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: يَنْفُضُهُمَا مَرَّتَيْنِ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا خِلَافَ فَإِنَّ مَا الْتَصَقَ بِكَفِّهِ مِنْ التُّرَابِ إنْ تَنَاثَرَ بِنَفْضَةٍ وَاحِدَةٍ يَكْتَفِي بِهَا وَإِنْ لَمْ يَتَنَاثَرْ نَفَضَ نَفْضَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ التَّمَسُّحُ بِكَفٍّ مَوْضُوعٍ عَلَى الْأَرْضِ لَا اسْتِعْمَالُ التُّرَابِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ التُّرَابِ مِثْلُهُ.
ثُمَّ التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَقُولُ ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ ضَرْبَةٌ يَسْتَعْمِلُهَا لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ فِي الذِّرَاعَيْنِ وَضَرْبَةٌ ثَالِثَةٌ فِيهِمَا، وَحَدِيثُ عَمَّارٍ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَمَا رَوَيْنَا وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} يُوجِبُ الْمَسْحَ دُونَ التَّكْرَارِ ثُمَّ التَّيَمُّمُ إلَى الْمَرَافِقِ فِي قَوْلِ عُلَمَائِنَا وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْأَعْمَشُ إلَى الرُّسْغَيْنِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَى الْآبَاطِ، وَحَدِيثُ عَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ وَرَدَ بِكُلِّ ذَلِكَ فَرَجَّحْنَا رِوَايَتَهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ لِحَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» وَالثَّانِي حَدِيثُ الْأَشْلَعِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ ثُمَّ الْوُضُوءُ فِي الْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَالتَّيَمُّمُ كَذَلِكَ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ سَقَطَ فِي التَّيَمُّمِ عُضْوَانِ أَصْلًا وَبَقِيَ عُضْوَانِ فَيَكُونُ التَّيَمُّمُ فِيهِمَا كَالْوُضُوءِ فِي الْكُلِّ كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ سَقَطَ مِنْهُ رَكْعَتَانِ كَانَ الْبَاقِي مِنْهَا بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَلِهَذَا شَرَطْنَا الِاسْتِيعَابَ فِي التَّيَمُّمِ حَتَّى إذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: الْأَكْثَرُ يَقُومُ مَقَامَ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّ فِي الْمَمْسُوحَاتِ الِاسْتِيعَابُ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا فِي الْمَسْحِ بِالْخُفِّ وَالرَّأْسِ فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الِاسْتِيعَابُ فِي التَّيَمُّمِ فَرْضٌ كَمَا فِي الْوُضُوءِ وَلِهَذَا قَالُوا: لَا بُدَّ مِنْ نَزْعِ الْخَاتَمِ فِي التَّيَمُّمِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ لِيَتِمَّ بِهِ الْمَسْحُ.
وَمَنْ قَالَ التَّيَمُّمُ إلَى الرُّسْغِ اسْتَدَلَّ بِآيَةِ السَّرِقَةِ قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ثُمَّ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الرُّسْغِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ ذَاكَ عُقُوبَةٌ، وَفِي الْعُقُوبَاتِ لَا يُؤْخَذُ إلَّا بِالْيَقِينِ، وَالتَّيَمُّمُ عِبَادَةٌ وَفِي الْعِبَادَاتِ يُؤْخَذُ بِالِاحْتِيَاطِ وَمَنْ قَالَ إلَى الْآبَاطِ قَالَ اسْمُ الْأَيْدِي مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الْجَارِحَةَ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى الْآبَاطِ وَلَكِنَّا نَقُولُ التَّيَمُّمُ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْغَايَةِ فِي الْوُضُوءِ يَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَيْهِ فِي التَّيَمُّمِ.
يَقُولُ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ التَّيَمُّمِ فَقَالَ: الْوَجْهُ وَالذِّرَاعَانِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَقُلْت:
كَيْفَ؟ فَمَالَ بِيَدِهِ عَلَى الصَّعِيدِ فَأَقْبَلَ بِيَدِهِ وَأَدْبَرَ ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ ثُمَّ أَعَادَ كَفَّيْهِ جَمِيعًا عَلَى الصَّعِيدِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ ثُمَّ رَفَعَهُمَا وَنَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ بِكُلِّ كَفٍّ ظَهْرَ ذِرَاعِ الْأُخْرَى وَبَاطِنَهَا إلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَفِي قَوْلِهِ أَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَبْلَ الْوَضْعِ عَلَى الْأَرْضِ أَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ لِيَنْظُرَ هَلْ الْتَصَقَ بِكَفِّهِ شَيْءٌ يَصِيرُ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّعِيدِ.
وَالثَّانِي: أَقْبَلَ بِهِمَا عَلَى الصَّعِيدِ وَأَدْبَرَ بِهِمَا وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ.
قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَعَ رَفِيقٍ لَهُ مَاءٌ فَطَلَبَ مِنْهُ فَلَمْ يُعْطِهِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى أَجْزَأَهُ)؛ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ حِينَ مَنَعَهُ صَاحِبُ الْمَاءِ وَهُوَ شَرْطُ التَّيَمُّمِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ حَتَّى تَيَمَّمَ وَصَلَّى لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَبْذُولٌ فِي النَّاسِ عَادَةً خُصُوصًا لِلطَّهَارَةِ فَلَا يَصِيرُ عَادِمًا لِلْمَاءِ إلَّا بِمَنْعِ صَاحِبِهِ فَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إلَّا بِطَلَبِهِ فَإِذَا لَمْ يَطْلُبْ لَا يُجْزِئُهُ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِنْ الرُّفْقَةِ مَاءٌ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَاءَ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمَاءِ أَوَّلًا يَمْنَةً وَيَسْرَةً فَيَهْبِطُ وَادِيًا وَيَعْلُو شَرَفًا إنْ كَانَ ثَمَّةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} وَذَلِكَ لَا يَتَبَيَّنُ إلَّا بِطَلَبِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الطَّلَبُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا كَانَ عَلَى طَمَعٍ مِنْ الْوُجُودِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَمَعٍ مِنْهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي الطَّلَبِ وَقَدْ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ فَرُبَّمَا يَنْقَطِعُ عَنْ أَصْحَابِهِ وَمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ إلَّا لِدَفْعِ الْحَرَجِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}.
قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ تَيَمَّمَ بِهِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ جِصٍّ أَوْ نُورَةٍ أَوْ زِرْنِيخٍ فَهُوَ جَائِزٌ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ أَوَّلًا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يُجْزِئُهُ إلَّا بِالتُّرَابِ الْخَالِصِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: الصَّعِيدُ هُوَ التُّرَابُ الْخَالِصُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَالْجِصُّ وَالنُّورَةُ لَيْسَا بِتُرَابِ» فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِمَا وَمَا سِوَى التُّرَابِ مَعَ التُّرَابِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ مَعَ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ فَكَمَا يَخْتَصُّ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ دُونَ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ فَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ وَفِيهِ إظْهَارُ كَرَامَةٍ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ التُّرَابِ وَالْمَاءِ فَخُصَّا بِكَوْنِهِمَا طَهُورًا لِهَذَا.
وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اسْتَدَلَّا بِالْآيَةِ فَإِنَّ الصَّعِيدَ هُوَ الْأَرْضُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُحْشَرُ الْعُلَمَاءُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ كَأَنَّهَا سَبِيكَةُ فِضَّةٍ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ إنِّي لَمْ أَضَعْ عِلْمِي فِيكُمْ إلَّا لِعِلْمِي بِكُمْ إنِّي لَمْ أَضَعْ حِكْمَتِي فِيكُمْ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعَذِّبَكُمْ انْطَلِقُوا مَغْفُورًا» لَكُمْ فَدَلَّ أَنَّ الصَّعِيدَ هُوَ الْأَرْضُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ثُمَّ مَا سِوَى التُّرَابِ مِنْ الْأَرْضِ أُسْوَةُ التُّرَابِ فِي كَوْنِهِ مَكَانَ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ فِي كَوْنِهِ طَهُورًا وَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ يَسَّرَ عَلَيْهِ وَعَلَى أُمَّتِهِ وَقَدْ تُدْرِكُهُ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّرَابِ كَمَا تُدْرِكُهُ فِي مَوْضِعِ التُّرَابِ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْكُلِّ تَيْسِيرًا ثُمَّ حَاصِلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ فَالتَّيَمُّمُ بِهِ جَائِزٌ، وَمَا لَا فَلَا حَتَّى لَا يَجُوزَ التَّيَمُّمُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا جَوْهَرَانِ مُودَعَانِ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ حَتَّى يَذُوبَ بِالذَّوْبِ وَكَذَلِكَ الرَّمَادُ مِنْ الْحَطَبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَام السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِنَا.
رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالَ (إنْ كَانَ الْمِلْحُ جَبَلِيًّا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ دَاءُ سَبَخٍ) وَأَمَّا الْكُحْلُ وَالْمَرْدَاءُ سَبَخٌ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِمَا وَالْآجُرُّ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ طِينٌ مُسْتَحْجَرٌ فَهُوَ كَالْحَجَرِ الْأَصْلِيِّ وَالتَّيَمُّمُ بِالْحَجَرِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُبَارٌ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ غُبَارٌ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى الْجَوَازِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ الرَّجُلُ يَتَوَارَى بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» وَحِيطَانُهُمْ كَانَتْ مِنْ الْحَجَرِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهَا، وَكَذَلِكَ الطِّينُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَفِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ بِالطِّينِ.
قَالَ (وَإِذَا نَفَضَ ثَوْبَهُ أَوْ لَبَدَهُ وَتَيَمَّمَ بِغُبَارِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّعِيدِ أَجْزَأَهُ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّعِيدِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْغُبَارَ لَيْسَ بِتُرَابٍ خَالِصٍ وَلَكِنَّهُ مِنْ التُّرَابِ مِنْ وَجْهٍ وَالْمَأْمُورُ بِهِ التَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا بِالصَّعِيدِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَحِينَئِذٍ تَيَمَّمَ بِالْغُبَارِ كَمَا أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى احْتَجَّا بِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ فَنَظَرُوا بِالْخَابِيَةِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْفُضُوا لُبُودَهُمْ وَسُرُوجَهُمْ وَيَتَيَمَّمُوا بِغُبَارِهَا وَلِأَنَّ الْغُبَارَ تُرَابٌ فَإِنَّ مَنْ نَفَضَ ثَوْبَهُ يَتَأَذَّى جَارُهُ مِنْ التُّرَابِ إلَّا أَنَّهُ دَقِيقٌ وَكَمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِالْخَشِنِ مِنْ التُّرَابِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ فَكَذَلِكَ بِالدَّقِيقِ مِنْهُ.
قَالَ (وَإِنْ تَيَمَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ) وَكَذَلِكَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورِيَّةٌ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا قَبْلَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ لَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فَشَرَطَ عَدَمَ الْمَاءِ فَقَطْ وَجَعَلَهُ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ كَالْوُضُوءِ.
ثُمَّ التَّوَضُّؤُ بِالْمَاءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِتَقَرُّرِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْحَدَثُ فَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ.
فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى أَوْجُهٍ إنْ وَجَدَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ الطَّهَارَةُ مَتَى صَحَّتْ لَا يَرْفَعُهَا إلَّا الْحَدَثُ وَوُجُودُ الْمَاءِ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التُّرَابُ كَافِيك وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ بَشَرَتَك» وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَكِنَّهُ طَهَارَةٌ شَرْعًا إلَى غَايَةِ وَهُوَ وُجُودُ الْمَاءِ وَمِنْ حُكْمِ الْغَايَةِ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا خِلَافُ مَا قَبْلَهَا فَعِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ يَصِيرُ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَنَا وَهُوَ أَحَدُ أَقَاوِيلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يُقَرَّبُ الْمَاءُ مِنْهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِي وَأَظْهَرُ أَقَاوِيلِهِ أَنَّهُ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ قَدْ صَحَّ بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ كَمَا لَوْ رَأَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ مَا أَدَّى فَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ تَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَلَا يَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَاءِ كَمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مَانِعٌ أَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ وَلَيْسَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِسْقَاءِ.
(وَلَنَا) أَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ انْتَهَتْ بِوُجُودِ الْمَاءِ فَلَوْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَتَمَّهَا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ إنَّمَا تَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَنْ لَوْ بَقِيَتْ وَلَمْ تَبْقَ هَاهُنَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَعِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ يَصِيرُ مُحْدِثًا بِحَدَثٍ سَابِقٍ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ كَخُرُوجِ الْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَاضَةِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الصَّلَاةِ عُرِفَ بِالْأَثَرِ وَذَلِكَ فِي حَدَثٍ يَسْبِقُهُ لِلْحَالِ فَلِهَذَا أَلْزَمْنَاهُ الْوُضُوءَ وَاسْتِقْبَالَ الصَّلَاةِ وَالشُّرُوعَ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ صَحَّ كَمَا قَالَ إلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَمَتَى قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْبَدَلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ إذَا حَاضَتْ وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقُولُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ يُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ لِضَرُورَةِ التَّمَكُّنِ بِهِ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَالْأَدَاءُ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ هَذِهِ الضَّرُورَةُ بِوُجُودِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ سَقَطَ اعْتِبَارُ التَّيَمُّمِ كَالْمَرِيضِ إذَا أَحَجَّ رَجُلًا بِمَالِهِ ثُمَّ بَرِئَ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لِبَقَاءِ الْوَقْتِ فَإِنَّ الْعُمْرَ لِلْحَجِّ كَالْوَقْتِ لِلصَّلَاةِ.
(وَلَنَا) مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّيَا بِالتَّيَمُّمِ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ فَسَأَلَا عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِلَّذِي أَعَادَ أَتَاك أَجْرُك مَرَّتَيْنِ وَلِلَّذِي لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَتْك صَلَاتُك» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ بِالتَّيَمُّمِ وَانْصَرَفَ مِنْ ضَيْعَتِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى أَبْيَاتٍ ثُمَّ دَخَلَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ إسْقَاطُ الْفَرْضِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَقَدْ حَصَلَ بِالْبَدَلِ فَلَا يَعُودُ إلَى ذِمَّتِهِ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالْأَشْهُرِ إذَا حَاضَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّ جَوَازَ الْإِحْجَاجِ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِ الْيَأْسِ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَهَا هُنَا جَوَازُ التَّيَمُّمِ بِاعْتِبَارِ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَكَانَ مُتَحَقِّقًا حِينَ صَلَّى.
قَالَ (وَيَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَؤُمُّ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَؤُمُّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ وَلَا الْمُقَيَّدُ الْمُطْلَقِينَ وَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْمُتَيَمِّمِ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا يَؤُمُّ مَنْ لَا ضَرُورَةَ لَهُ كَصَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ لَا يَؤُمُّ الْأَصِحَّاءَ.
وَهُمَا اسْتَدَلَّا بِحَدِيثِ «عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَهُ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ فَلَمَّا انْصَرَفُوا سَأَلَهُمْ عَنْ سِيرَتِهِ فَقَالُوا كَانَ حَسَنَ السِّيرَةِ وَلَكِنَّهُ صَلَّى بِنَا يَوْمًا وَهُوَ جُنُبٌ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ احْتَلَمَتْ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَخَشِيت الْهَلَاكَ إنْ اغْتَسَلْت فَتَلَوْت قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} فَتَيَمَّمْت وَصَلَّيْت بِهِمْ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ يَا لَك مِنْ فَقِهٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ الْمُتَيَمِّمَ صَاحِبُ بَدَلٍ صَحِيحٍ فَهُوَ كَالْمَاسِحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ يَؤُمُّ الْغَاسِلِينَ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَدَلَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصْلِ بِخِلَافِ صَاحِبِ الْجُرْحِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصَاحِبِ بَدَلٍ صَحِيحٍ.
قَالَ (وَالْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْمُحْدِثُ فِي التَّيَمُّمِ سَوَاءٌ) وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَرُوِيَ أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمَا تَذْكُرُ إذْ كُنْت مَعَك فِي الْإِبِلِ، فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ ثُمَّ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَصِرْت حِمَارًا أَمَا يَكْفِيك ضَرْبَتَانِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ فَقَالَ إنْ شِئْت فَلَا أَذْكُرُهُ أَبَدًا فَقَالَ عُمَرُ إنْ شِئْت فَاذْكُرْهُ وَإِنْ شِئْت فَلَا تَذْكُرْهُ وَلَمَّا ذُكِرَ لِابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثُ عَمَّارٍ فَقَالَ لَمْ يَقْنَعْ بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ} فَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمُرَادُ الْمَسُّ بِالْيَدِ فَجَوَّزَ التَّيَمُّمَ لِلْمُحْدِثِ خَاصَّةً وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الْمُرَادُ الْمُجَامَعَةُ فَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ نَوْعَيْ الْحَدَثِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ} وَقَوْلُهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} وَذَكَرَ نَوْعَيْ الْحَدَثِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَأَمَرَ بِالتَّيَمُّمِ لَهُمَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى الْمُجَامَعَةِ أَكْثَرَ إفَادَةٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ قَوْمًا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إنَّا نَكُونُ فِي هَذِهِ الرِّمَالِ وَرُبَّمَا لَا نَجِدُ الْمَاءَ شَهْرًا وَفِينَا الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ» وَفِي حَدِيثِ «أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اجْتَمَعَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبِلُ الصَّدَقَةِ فَقَالَ لِي أَبْدِيهَا فَبَدَوْت إلَى الرَّبَذَةِ فَأَصَابَتْنِي الْجَنَابَةُ فَأَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالَك فَسَكَتُ فَقَالَ ثَكِلَتْك أُمُّك مَالَك فَقُلْت إنِّي جُنُبٌ فَأَمَرَ جَارِيَةً سَوْدَاءَ فَأَتَتْ بِعُسٍّ مِنْ مَاءٍ وَسَتَرَتْنِي بِالْبَعِيرِ وَالثَّوْبِ فَاغْتَسَلْت فَكَأَنَّمَا وَضَعْت عَنْ عَاتِقِي حِمْلًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْفِيك التَّيَمُّمُ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ».
قَالَ (وَيَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ) أَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ الْهَلَاكَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَالتَّيَمُّمُ جَائِزٌ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِي الْمَجْدُورِ وَالْمَقْرُوحِ.
وَرُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ بِهِ جُدَرِيٌّ فَاحْتَلَمَ فِي سَفَرٍ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَأَمَرُوهُ بِالِاغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا أُخْبِرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ كَانَ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ» وَإِنْ كَانَ يَخَافُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَلَا يَخَافُ الْهَلَاكَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ مَشْرُوعٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَالْعَجْزُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِمَنْ لَا يَخَافُ الْهَلَاكَ.
(وَلَنَا) أَنَّ زِيَادَةَ الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ وَجَوَازِ الصَّلَاةِ قَاعِدًا أَوْ بِالْإِيمَاءِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّيَمُّمِ وَهَذَا لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ لَا تَكُونُ دُونَ حُرْمَةِ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ يَلْحَقُهُ الْخُسْرَانُ فِي الْمَالِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِأَنْ كَانَ لَا يُبَاعُ إلَّا بِثَمَنٍ عَظِيمٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ فَعِنْدَ خَوْفِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْلَى هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ يَسْتَضِرُّ بِالْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَضِرُّ بِالْمَاءِ وَلَكِنَّهُ لِلْمَرَضِ عَاجِزٌ عَنْ التَّحَرُّكِ لِلْوُضُوءِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْوُضُوءِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعِينُهُ فِي الْوُضُوءِ فَحِينَئِذٍ يَتَيَمَّمُ لِتَحَقُّقِ عَجْزِهِ عَنْ الْوُضُوءِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعِينُهُ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْخَدَمِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ فِي الْمِصْرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ فِي الْمِصْرِ يَجِدُ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ وَالْعَجْزُ بِعَارِضٍ عَلَى شَرَفِ- الزَّوَالِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُوَضِّئُهُ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِهَذَا ثُمَّ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مِنْ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ تَزُلْ الْعِلَّةُ.
وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ يُصَلِّي بِتَيَمُّمِهِ مَا شَاءَ مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ يَجِدْ الْمَاءَ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ النَّوَافِلِ مَا شَاءَ وَحُجَّتُهُ أَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ وَبِاعْتِبَارِ كُلِّ فَرِيضَةٍ تَتَجَدَّدُ الضَّرُورَةُ فَعَلَيْهِ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ، وَالنَّوَافِلُ تَبَعٌ لِلْفَرَائِضِ وَهُوَ نَظِيرُ مَذْهَبِهِ فِي طَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا.
وَحُجَّتُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التُّرَابِ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» فَقَدْ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ مُمْتَدًّا إلَى غَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّهُ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ كَالْوُضُوءِ، ثُمَّ الْمُتَوَضِّئُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا شَاءَ مَا لَمْ يُحْدِثْ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلِأَنَّ بِالْفَرَاغِ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ لَمْ تَنْتَقِضْ طَهَارَتُهُ حَتَّى جَازَ لَهُ أَدَاءُ النَّافِلَةِ وَإِذَا بَقِيَتْ الطَّهَارَةُ فَلَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَرْضَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَقُومَ إلَيْهِ طَاهِرًا وَقَدْ وُجِدَ قَالَ (وَإِنْ وَجَدَ الْمُتَيَمِّمُ الْمَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ حَتَّى حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَقَدْ عَدِمَ ذَلِكَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَصَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ فَهَذَا مُحْدِثٌ لَا مَاءَ مَعَهُ فَعَلَيْهِ التَّيَمُّمُ لِلصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ) فَهُوَ وَالْمَسْحُ بِالرَّأْسِ وَالْخُفِّ سَوَاءٌ وَقَدْ بَيَّنَّا.
قَالَ (وَإِنْ أَجْنَبَ الْمُسَافِرُ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مِقْدَارُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ يَتَيَمَّمُ عِنْدَنَا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ الْمَاءَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ.
وَكَذَلِكَ الْمُحْدِثُ إذَا كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لَغُسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ عِنْدَنَا يَتَيَمَّمُ وَعِنْدَهُ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ فِيمَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} فَذَكَرَهُ مُنَكِّرًا فِي مَوْضِعِ النَّفْيِ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَمَا بَقِيَ وَاجِدًا لِشَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيمَا يَكْفِيهِ فَهُوَ كَمَنْ أَصَابَتْهُ مَخْمَصَةٌ وَمَعَهُ لُقْمَةٌ مِنْ الْحَلَالِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمَيْتَةَ مَا لَمْ يَتَنَاوَلْ تِلْكَ اللُّقْمَةَ الْحَلَالَ وَلَا يَبْعُدُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ كَمَا قُلْتُمْ فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ.
(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فَإِنَّ الْمُرَادَ مَاءٌ يُطَهِّرُهُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ النَّجِسِ لَا يَمْنَعُهُ عَنْ التَّيَمُّمِ وَلِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا سَبَقَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ الْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} فَيَكُونُ الْمَفْهُومُ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَاءُ الَّذِي يَتَوَضَّئُونَ بِهِ وَيَغْتَسِلُونَ بِهِ عِنْدَ الْجَنَابَةِ وَهُوَ غَيْرُ وَاجِدٍ لِذَلِكَ الْمَاءِ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُطَهِّرْهُ اسْتِعْمَالُ هَذَا الْمَاءِ لَا يَكُونُ فِي اسْتِعْمَالِهِ إلَّا مَضْيَعَةٌ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يُوَفَّى بِالْأَبْدَالِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلْتَقِيَانِ كَمَا لَا يَكْمُلُ التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ بِالصَّوْمِ وَلَا الْعِدَّةُ بِالشُّهُورِ بِالْحَيْضِ وَلَوْ قُلْنَا يَتَيَمَّمُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ كَانَ فِيهِ رَفْوُ الْأَصْلِ بِالْبَدَلِ وَلَا نَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَخْمَصَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فَإِنَّ مَا مَعَهُ مِنْ الْحَلَالِ إذَا كَانَ لَا يَكْفِيهِ لِسَدِّ الرَّمَقِ فَلَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ مَعَهُ الْمَيْتَةَ.
وَفِي سُؤْرِ الْحِمَارِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عِنْدَنَا لِلِاحْتِيَاطِ لَا لِرَفْوِ الْأَصْلِ بِالْبَدَلِ وَلِذَلِكَ لَوْ أَنَّهُ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ يَكْفِيهِ لِمَا خُوطِبَ بِهِ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِيهِ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ اعْتِبَارًا لِلِانْتِهَاءِ بِالِابْتِدَاءِ.
قَالَ (وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ تَوَضَّأَ بِهِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّيَمُّمَ أَخْرَجَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ إلَى أَنْ يَجِدَ مَا يَكْفِيهِ لِلِاغْتِسَالِ فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ فَيَتَوَضَّأُ بِهِ فَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ مَرَّ بِالْمَاءِ فَلَمْ يَغْتَسِلْ ثُمَّ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَعِنْدَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يُوَضِّئُهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِمَا يَكْفِيهِ لِلِاغْتِسَالِ عَادَ جُنُبًا كَمَا كَانَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَلَا يَلْزَمُهُ نَزْعُ الْخُفِّ إذْ لَا تَيَمُّمَ فِي الرِّجْلِ.
قَالَ (فَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ الْأُخْرَى وَقَدْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ) لِأَنَّهُ بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ خَرَجَ مِنْ الْجَنَابَةِ إلَى أَنْ يَجِدَ مَاءً يَكْفِيهِ لِلِاغْتِسَالِ وَلَمْ يَجِدْ بَعْدُ، فَهَذَا مُحْدِثٌ مَعَهُ مَاءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَنْزِعَ خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَرَّ بِمَاءٍ يَكْفِيهِ لِلِاغْتِسَالِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ وَجَبَ عَلَيْهِ نَزْعُ الْخُفَّيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرَّ بِالْمَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ حَصَلَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ مَا لَمْ يَجِدْ مَا يَكْفِيهِ لِلِاغْتِسَالِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ.
قَالَ (وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُحْدِثِ مَاءٌ يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ غَيْرَ أَنَّهُ يَخَافُ الْعَطَشَ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ) هَكَذَا قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِأَنَّهُ يَخَافُ الْهَلَاكَ مِنْ الْعَطَشِ إذَا اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ فَكَانَ عَاجِزًا عَنْ اسْتِعْمَالِهِ حُكْمًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ عَدُوٌّ أَوْ سَبُعٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ لَا تَكُونُ دُونَ حُرْمَةِ الْمَالِ.
قَالَ (وَإِذَا تَيَمَّمَ الْمُسَافِرُ وَالْمَاءُ مِنْهُ قَرِيبٌ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَجْزَأَهُ تَيَمُّمُهُ بِهِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حِينَ عَدِمَ آلَةَ الْوُصُولِ إلَيْهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِ الْبِئْرِ وَلَيْسَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِقَاءِ فَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ.
وَلَمْ يُفَسَّرْ حَدُّ الْقُرْبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ بِهِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ دُونَ مِيلٍ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ كَانَ مِيلًا أَوْ أَكْثَرَ أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ، وَالْمِيلُ ثُلُثُ فَرْسَخٍ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَ الْمَاءُ أَمَامَهُ يَعْتَبِرُ مِيلَيْنِ وَإِنْ كَانَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَمِيلٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمِيلَ لِلذَّهَابِ وَمِثْلُهُ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ مِيلَيْنِ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَلَكِنَّا نَقُولُ التَّفْرِيطُ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ إذَا كَانَ لَا يَبْلُغُهُ صَوْتُهُمْ فَبَعِيدٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ.
قَالَ (وَإِذَا كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ) إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ السُّؤَالُ ذُلٌّ وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ إلَّا لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَلَكِنَّا نَقُولُ مَاءُ الطَّهَارَةِ مَبْذُولٌ بَيْنَ النَّاسِ عَادَةً وَلَيْسَ فِي سُؤَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَذَلَّةٌ «فَقَدْ سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ حَوَائِجِهِ مِنْ غَيْرِهِ» فَإِنْ سَأَلَهُ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِالثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ثَمَنُهُ يَتَيَمَّمُ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَمَنُهُ فَإِنْ أَعْطَاهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَأَنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْسَرُ عَلَى هَذِهِ التِّجَارَةِ وَلَا نَأْخُذُ بِهَذَا فَإِنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ يَلْحَقُهُ خُسْرَانٌ فِي مَالِهِ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمِ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ خُسْرَانٌ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي يَكْفِي لِلْوُضُوءِ يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِدِرْهَمٍ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِدِرْهَمَيْنِ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِ فَجَعَلَ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ فِي تَضْعِيفِ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إذَا كَانَ يُعْطِيهِ الثَّمَنَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى بَدَلِ الْمَاءِ كَقُدْرَتِهِ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِ الرَّقَبَةِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى عَيْنِهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِمْلَاءِ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ الْمُسَافِرِ لَا يَجِدُ الْمَاءَ أَيَطْلُبُهُ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَعَنْ يَسَارِهِ قَالَ إنْ طَمِعَ فِي ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَلَا يُبْعِدْ فَيَضُرَّ بِأَصْحَابِهِ إنْ انْتَظَرُوهُ أَوْ بِنَفْسِهِ إنْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ وَلَا يَطْلُبُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُخْبَرَ بِمَاءٍ فَيَطْلُبُهُ الْغَلْوَةَ وَنَحْوَهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ إذَا كَانَ عَلَى رَجَاءٍ مِنْ وُجُودِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَجَاءٍ مِنْهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي الطَّلَبِ، وَعَدَمُ الْوُجُودِ كَالْوُجُودِ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ الطَّلَبِ يُقَالُ وَجَدَ فُلَانٌ لُقَطَةً وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَجَدَك عَائِلًا فَأَغْنَى}.
قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُ فِي رَدْغَةٍ وَطِينٍ لَا يَجِدُ الْمَاءَ وَلَا الصَّعِيدَ نَفَضَ ثَوْبَهُ أَوْ لَبَدَهُ وَتَيَمَّمَ بِغُبَارِهِ) وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّيَمُّمِ بِالطِّينِ وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ فِيهِ تَلْوِيثُ الْوَجْهِ وَهُوَ مُثْلَةٌ وَلَكِنَّهُ يَنْفُضُ لَبَدَهُ فَيَتَيَمَّمُ بِغُبَارِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيهِ حَدِيثَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنْ كَانَ الْمَطَرُ عَمَّ جَمِيعَ ذَلِكَ لَطَّخَ بِالطِّينِ بَعْضَ جَسَدِهِ فَإِذَا جَفَّ حَتَّهُ وَتَيَمَّمَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِفَّ لَمْ يُصَلِّ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ وَإِنْ ذَهَبَ الْوَقْتُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يُصَلِّي ثُمَّ يُعِيدُ إذَا قَدَرَ عَلَى الطَّهُورِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَا يَتَشَبَّهُ فِيهِ بِالْمُصَلِّينَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ تَشَبُّهًا كَمَنْ تَسَحَّرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا بِالصَّائِمِينَ وَلَكِنَّا نَقُولُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَعْصِيَةٌ وَالتَّشَبُّهُ بِالْمُطِيعِينَ لَا يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ.
قَالَ (وَإِنْ وَجَدَ سُؤْرَ حِمَارٍ أَوْ بَغْلٍ تَوَضَّأَ بِهِ وَتَيَمَّمَ) وَإِنْ قَدَّمَ التَّيَمُّمَ أَجْزَأَهُ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ مَا دَامَ مَعَهُ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِاسْتِعْمَالِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِتَيَمُّمِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ الِاحْتِيَاطُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَا فِي التَّرْتِيبِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ التَّرْتِيبِ وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ فِي التَّوَضُّؤِ بِهِ.
قَالَ (وَإِذَا أَصَابَ بَدَنَ الْمُتَيَمِّمِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَنْقُضْ ذَلِكَ تَيَمُّمَهُ) وَلَكِنَّهُ يَمْسَحُ بِخِرْقَةٍ أَوْ تُرَابٍ لِتَتَقَلَّلَ بِهِ النَّجَاسَةُ ثُمَّ يُصَلِّي فَإِنْ صَلَّى لَمْ يَمْسَحْهُ وَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ إزَالَتِهَا فَجَازَتْ صَلَاتُهُ مَعَهَا.
قَالَ (وَإِذَا تَوَضَّأَ الْكَافِرُ أَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فَعِنْدَهُ الْوُضُوءُ لَا يُجْزِئُ إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَعِنْدَنَا يُجْزِئُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَيَزُولُ بِهِ الْحَدَثُ فَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ كَغُسْلِ النَّجَاسَةِ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمَّا طَلَبَ مِنْ أُخْتِهِ أَنْ تُنَاوِلَهُ الصَّفْحَةَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنَ حَتَّى يَغْتَسِلَ نَاوَلَتْهُ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْكَافِرِ.
قَالَ (وَإِنْ تَيَمَّمَ الْكَافِرُ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ الطُّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ التَّيَمُّمَ يُفَارِقُ الْوُضُوءَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ الطُّهْرِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَنِيَّةُ الْإِسْلَامِ نِيَّةُ قُرْبَةٍ فَإِذَا اقْتَرَنَ بِالتَّيَمُّمِ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ صَحَّ مِنْهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمُسْلِمِ.
(وَلَنَا) أَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّيَمُّمِ نِيَّةُ الصَّلَاةِ بِهِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا وَالتَّيَمُّمُ لَا يَصِحُّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَنِيَّةُ الْإِسْلَامِ لَا تُعْتَبَرُ فِي التَّيَمُّمِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ قُرْبَةٍ وَنِيَّةُ الْقُرْبَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ أَوْ الصَّدَقَةِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ ثُمَّ إصْرَارُهُ عَلَى الْكُفْرِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّيَمُّمِ مَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ.
قَالَ (وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُسْلِمُ أَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ ارْتَدَّ- نَعُوذُ بِاَللَّهِ- لَمْ يَبْطُلْ وُضُوءُهُ) لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَيْسَتْ بِحَدَثٍ وَهُوَ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْوُضُوءِ فَلَا يَمْنَعُ الْبَقَاءَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (فَإِنْ قِيلَ) أَلَيْسَ أَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ عَمَلَهُ وَوُضُوءَهُ مِنْ عَمَلِهِ (قُلْنَا) الرِّدَّةُ تُحْبِطُ ثَوَابَ الْعَمَلِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْحَدَثِ كَمَنْ تَوَضَّأَ عَلَى قَصْدِ الْمُرَاءَاةِ زَالَ الْحَدَثُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُثَابُ عَلَى وُضُوئِهِ.
قَالَ (وَلَوْ تَيَمَّمَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ) إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَقُولُ الْكُفْرُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ التَّيَمُّمِ فَيَمْنَعُ الْبَقَاءَ كَمَنْ صَلَّى ثُمَّ ارْتَدَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ فِي الْوَقْتِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ تَيَمُّمُهُ قَدْ صَحَّ بِاقْتِرَانِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ فَلَا يَنْقُضُهُ إلَّا الْحَدَثُ أَوْ وُجُودُ الْمَاءِ وَالرِّدَّةُ لَيْسَتْ بِحَدَثٍ وَهَذَا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يُفَارِقُ الْوُضُوءَ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ لَا فِي الْبَقَاءِ فَفِي الْبَقَاءِ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ سَوَاءٌ فَكَمَا يَبْقَى وُضُوءُهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ فَكَذَلِكَ تَيَمُّمُهُ.
قَالَ (وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَطَأَ جَارِيَتَهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ الْمَاءَ) وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُكْرَهُ ذَلِكَ وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَمَّا أَنْتَ إذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَاغْتَسَلَ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الضَّرُورَةُ لَا تَتَحَقَّقُ فِي اكْتِسَابِ سَبَبِ الْجَنَابَةِ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ وَالصَّلَاةُ مَعَ الْجَنَابَةِ أَمْرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
(وَلَنَا) قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ} فَذَلِكَ يُفِيدُ إبَاحَةَ الْمُلَامَسَةِ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ التَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَمَا يَجُوزُ لَهُ اكْتِسَابُ سَبَبِ الْحَدَثِ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ فَكَذَلِكَ اكْتِسَابُ سَبَبِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِ النَّفْسِ بَعْدَ غَلَبَةِ الشَّبَقِ بَعْضَ الْحَرَجِ وَمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ إلَّا لِدَفْعِ الْحَرَجِ.
قَالَ (وَمَنْ تَيَمَّمَ وَهُوَ يُرِيدُ تَعْلِيمَ الْغَيْرِ وَلَا يُرِيدُ بِهِ الصَّلَاةَ لَمْ يُجْزِهِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّيَمُّمَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ وَظَاهِرُ مَا يَقُولُ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ تَكْفِي وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَهُمَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ.
قَالَ (وَلَوْ تَيَمَّمَ بِنِيَّةِ النَّفْلِ جَازَ لَهُ أَدَاءُ الْفَرْضِ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الضَّرُورَةُ لِلتَّيَمُّمِ، ثُمَّ أَدَاءُ النَّافِلَةِ بِالتَّيَمُّمِ يَجُوزُ عِنْدَنَا كَأَدَاءِ الْفَرْضِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي أَدَاءِ النَّافِلَةِ.
قَالَ (مُسَافِرَةٌ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا فَلَمْ تَجِدْ مَاءً فَتَيَمَّمَتْ وَصَلَتْ فَلِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا) لِأَنَّا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهَا حِينَ صَحَّ تَيَمُّمُهَا وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِجَوَازِ صَلَاتِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تُصَلِّ فَقِيلَ هُوَ عَلَى الِاخْتِلَافُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى قَصْدِ الرَّجْعَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ التَّيَمُّمَ كَالِاغْتِسَالِ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَهُوَ قَطْعُ الرَّجْعَةِ.
وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْوَطْءِ تَرْكُهُ فَلَمْ يُجْعَلْ التَّيَمُّمَ فِيهِ قَبْلَ تَأَكُّدِهِ بِالصَّلَاةِ كَالِاغْتِسَالِ كَمَا لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الْحِلِّ لِلْأَزْوَاجِ.
قَالَ (مُسَافِرٌ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ)؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ عِنْدَنَا سَوَاءٌ قَصَدَ الْمُكْثَ فِيهِ أَوْ الِاجْتِيَازَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَنْ يَدْخُلَهُ مُجْتَازًا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} وَلَكِنَّ أَهْلَ التَّفْسِيرِ قَالُوا إنَّ إلَّا هُنَا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا عَابِرِي سَبِيلٍ وَهَذَا مُحْتَمَلٌ فَبَقِيَ الْمَنْعُ بِقَوْلِهِ لَا تَقْرَبُوا، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْمَاءِ قَبْلَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ فَيَتَيَمَّمُ ثُمَّ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَسْتَقِي مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَسْتَقِي بِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَغْتَرِفَ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مَاءً جَارِيًا أَوْ حَوْضًا كَبِيرًا اغْتَسَلَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا صَغِيرًا فَالِاغْتِسَالُ فِيهِ يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَلَا يُطَهِّرُهُ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهِ وَلَكِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ وَهَذَا إشَارَةٌ مِنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ وَنِيَّةُ الصَّلَاةِ شَرْطُهُ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلِهَذَا تَيَمَّمَ ثَانِيًا وَكَذَلِكَ لَوْ تَيَمَّمَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَيَمَّمَ لِسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ؛ لِأَنَّ السَّجْدَةَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَنِيَّتُهُ لِلسَّجْدَةِ عِنْدَ التَّيَمُّمِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَأَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ لَيْسَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِيرُ بِنِيَّتِهِ ذَلِكَ نَاوِيًا لِلصَّلَاةِ.
قَالَ (وَلَا يَتَوَضَّأُ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ) إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَهُ سُؤْرُهُ طَاهِرٌ، وَالْأَمْرُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ تَعَبُّدٌ، وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ سُؤْرُهُ نَجِسٌ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ ثَلَاثًا» دَلِيلٌ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَالتَّطْهِيرُ لَا يَحْصُلُ بِالنَّجِسِ فَكَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ.
قَالَ (وَتَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِي الْمِصْرِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا) وَكَذَلِكَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَيَمَّمُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهُورٌ شُرِعَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ فَمَعَ وُجُودِهِ لَا يَكُونُ طَهُورًا وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ وَمَذْهَبُنَا مَذْهَبُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ إذَا فَاجَأَتْك جِنَازَةٌ فَخَشِيت فَوْتَهَا فَصَلِّ عَلَيْهَا بِالتَّيَمُّمِ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي صَلَاةِ الْعِيدِ مِثْلُهُ وَقَدْ رَوَيْنَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ السَّلَامَ بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ حِينَ خَافَ الْفَوْتَ لِمُوَارَاةِ الْمُسْلِمِ عَنْ بَصَرِهِ» فَصَارَ هَذَا أَصْلًا إلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ يَجُوزُ أَدَاؤُهُ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَصَلَاةُ الْعِيدِ تَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى إذَا فَاتَتْ مَعَ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ تَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعَادُ عِنْدَنَا وَكَأَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ التَّوَضُّؤَ بِالْمَاءِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا كَانَ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَهُنَا لَا يَتَوَصَّلُ بِالتَّوَضُّؤِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ فَإِذَا سَقَطَ عَنْهُ الْخِطَابُ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ صَارَ وُجُودُ الْمَاءِ كَعَدَمِهِ فَكَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمُ وَبِهَذَا فَارَقَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا وَإِنْ خَافَ الْفَوْتَ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ هُنَاكَ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ الطُّهْرُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ فَرْضِ الْوَقْتِ فَكَانَ مُخَاطَبًا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَبِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ فَلَا تَفُوتُهُ وَبِالْوُضُوءِ يَتَوَصَّلُ إلَى أَدَائِهَا فَلَا يُجْزِئُهُ أَدَاؤُهَا بِالتَّيَمُّمِ؛ لِهَذَا قَالَ (وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَعْدَ مَا شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنْ كَانَ شُرُوعُهُ بِالتَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ وَبَنَى بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ شُرُوعُهُ بِالْوُضُوءِ تَيَمَّمَ لِلْبِنَاءِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ فَإِنَّهُ إذَا ذَهَبَ لِلْوُضُوءِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لَمَّا جَازَ الِافْتِتَاحُ بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ فَالْبِنَاءُ أَجَوْزُ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْبِنَاءِ أَسْهَلُ وَخَوْفُ الْفَوْتِ قَائِمٌ فَرُبَّمَا يُبْتَلَى بِالْمُعَالَجَةِ مَعَ النَّاسِ لِكَثْرَةِ ازْدِحَامِهِمْ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَا يَصِلُ إلَى الْمَاءِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ فَتَفُوتُهُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَقِيلَ هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى جِبَائِيَّةِ الْكُوفَةِ فَإِنَّ الْمَاءَ بَعِيدٌ لَا يَصِلُ إلَيْهِ حَتَّى يَعُودَ إلَى الْمِصْرِ فَأَمَّا فِي دِيَارِنَا الْمَاءُ مُحِيطٌ بِالْمُصَلَّى فَلَا يَتَيَمَّمُ لِلِابْتِدَاءِ وَلَا لِلْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ وَلِيَّ الْمَيِّتِ لَا يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ بِالتَّيَمُّمِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ الْفَوْتَ فَإِنَّ النَّاسَ وَإِنْ صَلُّوا عَلَيْهَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْإِعَادَةِ.
قَالَ (وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ مَكَان قَدْ كَانَ فِيهِ بَوْلٌ أَوْ نَجَاسَةٌ وَإِنْ ذَهَبَ الْأَثَرُ) وَذَكَرَ ابْنُ كَاسِرٍ النَّخَعِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ حُكِمَ بِطَهَارَةِ ذَلِكَ الْمَكَانِ حِينَ ذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا.
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ شَرْطَ جَوَازِ التَّيَمُّمِ طِيبَةُ الصَّعِيدِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} وَهَذَا الْمَكَانُ صَارَ طَاهِرًا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الطَّهَارَةِ الطِّيبَةُ وَلَمْ يَصِرْ طَيِّبًا، ثُمَّ طَهَارَةُ هَذَا الْمَكَانِ ثَابِتَةٌ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَاشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ فِي الصَّعِيدِ ثَابِتٌ بِنَصٍّ مَقْطُوعٍ بِهِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَنْ اسْتَقْبَلَ الْحَطِيمَ فِي الصَّلَاةِ دُونَ الْبَيْتِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِهَذَا وَقَدْ قَرَرْنَاهُ.
قَالَ (وَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ وَبَنَى) لِأَنَّ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ جَائِزٌ فَالْبِنَاءُ أَجْوَزُ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الضَّعِيفَ عَلَى الْقَوِيِّ وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ فَإِنْ وَجَدَ مَاءً يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مَا عَادَ إلَى مَكَانِهِ تَوَضَّأَ وَاسْتَقْبَلَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ إلَى مَكَانِهِ فَالْقِيَاسُ يَتَوَضَّأُ وَيَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَهَذَا مُتَيَمِّمٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَسْتَقْبِلُ الصَّلَاةَ.
اسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَا يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي وَيَجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ أَصْلًا وَلَكِنَّهُ كَانَ فِي طَلَبِ الْمَاءِ إلَى أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَادَ إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ جَعَلْنَاهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَتَيَمَّمْ كَانَتْ صَلَاتُهُ فَاسِدَةً وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَتَوَضَّأُ لِلْبِنَاءِ إذَا أَدَّى شَيْئًا مِنْ الصَّلَاةِ بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الْعَوْدِ إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ.
قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَيَمِّمًا فَأَحْدَثَ فَاسْتَخْلَفَ مُتَوَضِّئًا ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ)؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَحَوَّلَتْ مِنْهُ إلَى الثَّانِي وَصَارَ هُوَ كَوَاحِدٍ مِنْ الْقَوْمِ فَفَسَادُ صَلَاتِهِ لَا يُفْسِدُ صَلَاةَ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُتَوَضِّئًا وَالْخَلِيفَةُ مُتَيَمِّمًا فَوَجَدَ الْخَلِيفَةُ الْمَاءَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْأَوَّلِ وَالْقَوْمِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ تَحَوَّلَتْ إلَيْهِ وَصَارَ الْأَوَّلُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْمُقْتَدِينَ بِهِ وَفَسَادُ صَلَاةِ الْإِمَامِ تُفْسِدُ صَلَاةِ الْقَوْمِ.
قَالَ (وَإِذَا أَمَّ الْمُتَيَمِّمُ الْمُتَوَضِّئِينَ فَأَبْصَرَ بَعْضُ الْقَوْمِ الْمَاءَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْإِمَامُ وَالْآخَرُونَ حَتَّى فَرَغُوا فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ تَامَّةٌ إلَّا مَنْ أَبْصَرَ الْمَاءَ) فَإِنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَعَالَى لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِفَسَادِ الصَّلَاةِ مِنْ سَبَبٍ وَهُوَ فِي نَفْسِهِ مُتَوَضِّئٌ فَرُؤْيَةُ الْمَاءِ لَا تَكُونُ مُفْسِدًا فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِفَسَادِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَصَلَاةُ الْإِمَامِ هُنَا صَحِيحَةٌ فَلَا مَعْنَى لِفَسَادِ صَلَاتِهِ.
(وَلَنَا) أَنَّ طَهَارَةَ الْإِمَامِ مُعْتَبَرَةٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ مُحْدِثٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاةُ الْقَوْمِ، وَطَهَارَتُهُ هُنَا تَيَمُّمٌ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ مَنْ أَبْصَرَ الْمَاءَ كَأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَمِّمُ فَلِهَذَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ الْفَسَادَ فِي صَلَاةِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي بِطَهَارَةِ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَالْمُقْتَدِي إذَا اعْتَقَدَ الْفَسَادَ فِي صَلَاةِ إمَامِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمْ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى الْإِمَامُ إلَى جِهَةٍ وَالْمُقْتَدِي إلَى جِهَةٍ أُخْرَى لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ إذَا كَانَ عَالِمًا أَنَّ إمَامَهُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ جِهَتِهِ.
قَالَ (مُتَيَمِّمٌ رَأَى فِي صَلَاتِهِ سَرَابًا فَظَنَّ أَنَّهُ مَاءٌ فَمَشَى إلَيْهِ فَإِذَا هُوَ سَرَابٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الصَّلَاةَ) لِأَنَّ مَشْيَهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الرَّفْضِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَا ظَنَّ لَوْ كَانَ حَقًّا كَانَتْ صَلَاتُهُ فَاسِدَةً فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ كَمَا لَوْ ظَنَّ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ نَسِيَ مَسْحَ الرَّأْسِ فَمَشَى لِيَمْسَحَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ مَسَحَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَنَّ أَنَّهُ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَمَشَى لِيَتَوَضَّأَ فَعَلِمَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ؛ لِأَنَّ انْصِرَافَهُ هُنَاكَ كَانَ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ دُونَ رَفْضِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ مَا ظَنَّ لَوْ كَانَ حَقًّا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَبْنِيَ فَمَا لَمْ يُفَارِقْ مَكَانَ الصَّلَاةِ جُعِلَ كَأَنَّهُ فِي مَوْضِعِهِ فَبَنَى لِهَذَا.
قَالَ (وَمَنْ اسْتَيْقَنَ بِالتَّيَمُّمِ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ بِالْحَدَثِ أَوْ بِوُجُودِ الْمَاءِ) لِلْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ قَالَ (وَإِذَا أَرَادَ التَّيَمُّمَ فَتَمَعَّكَ فِي التُّرَابِ وَدَلَّكَ بِذَلِكَ جَسَدَهُ كُلَّهُ فَإِنْ كَانَ أَصَابَ التُّرَابُ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ وَزَادَ عَلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيهِ حَدِيثَ عَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ يَكْفِيك ضَرْبَتَانِ» يَعْنِي ضَرْبَةً لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةً لِلذِّرَاعَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ.
قَالَ (وَإِنْ بَدَأَ بِذِرَاعَيْهِ فِي التَّيَمُّمِ أَوْ مَكَثَ بَعْدَ تَيَمُّمِ وَجْهِهِ سَاعَةً ثُمَّ تَيَمَّمَ عَلَى ذِرَاعَيْهِ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّرْتِيبَ وَالْمُوَالَاةَ فِي الْوُضُوءِ مَسْنُونٌ لَا يَمْنَعُ تَرْكُهُ الْجَوَازَ فَكَذَلِكَ فِي التَّيَمُّمِ.
قَالَ (وَإِذَا تَيَمَّمَ جُنُبٌ أَوْ حَائِضٌ مِنْ مَكَانِ ثُمَّ وَضَعَ آخَرُ يَدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَتَيَمَّمَ بِهِ أَجْزَأَهُ) لِأَنَّ الصَّعِيدَ الْبَاقِيَ فِي الْمَكَانِ بَعْدَ تَيَمُّمِ الْأَوَّلِ نَظِيرُ الْمَاءِ الْبَاقِي فِي الْإِنَاءِ بَعْدَ وُضُوءِ الْأَوَّلِ وَاغْتِسَالِهِ بِهِ فَيَكُونُ طَهُورًا فِي حَقِّ الثَّانِي كَذَا هَذَا.
قَالَ (وَإِذَا تَيَمَّمَ وَهُوَ مَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ فَعَلَيْهِ مَسْحُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ مِنْ الْمِرْفَقِ عِنْدَنَا) خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِرْفَقَ يَدْخُلُ فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ مَوْضِعُ الْقَطْعِ صَارَ بَادِيًا فِي حَقِّهِ فَهُوَ نَظِيرُ الْكَفِّ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ صَحِيحُ الْيَدَيْنِ فَعَلَيْهِ مَسْحُهُ فِي التَّيَمُّمِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ فَوْقُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَسْحُهُ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَ الطَّهَارَةِ مِنْ يَدِهِ فَائِتٌ فَإِنَّ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقِ لَيْسَ بِمَوْضِعِ الطَّهَارَةِ.
قَالَ (وَإِذَا تَيَمَّمَ وَفِي رَحْلِهِ مَاءٌ لَا يَعْلَمُ بِهِ بِأَنْ كَانَ نَسِيَهُ بَعْدَ مَا وَضَعَهُ أَوْ وَضَعَهُ بَعْضِ أَهْلِهِ فَصَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ جَائِزَةٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي السَّفَرِ مِنْ أَهَمِّ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ الْمُسَافِرِ فَقَدْ نَسِيَ مَا لَا يُنْسَى عَادَةً فَلَا يُعْتَبَرُ نِسْيَانُهُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ مُعَلَّقًا فِي عُنُقِهِ فَنَسِيَهُ لَا يُعْتَبَرُ نِسْيَانُهُ وَلِأَنَّ جَوَازَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ لِكَوْنِهِ فِي رَحْلِهِ فَإِنَّ رَحْلَهُ فِي يَدِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا نَسِيَ الرَّقَبَةَ فِي مِلْكِهِ لَا يُجْزِئُهُ لِهَذَا.
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى احْتَجَّا فِي الْكِتَابِ وَقَالَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُ إلَّا عِلْمَهُ وَمَعْنَى هَذَا التَّكْلِيفِ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَاطَبًا بِاسْتِعْمَالِهِ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَالْمَرِيضِ وَمَنْ يَخَافُ الْعَطَشَ عَلَى نَفْسِهِ تَقْدِيرُهُ أَنَّهُ عَدِمَ آلَةَ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِهِ فَكَانَ نَظِيرَ الْوَاقِفِ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ وَلَيْسَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِسْقَاءِ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ فَالْمُعْتَبَرُ هُنَاكَ مِلْكُهَا حَتَّى لَوْ عَرَضَ إنْسَانٌ عَلَيْهِ الرَّقَبَةَ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ، وَبِالنِّسْيَانِ لَمْ يَنْعَدِمْ مِلْكُهُ، وَهُنَا الْمُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ حَتَّى لَوْ عَرَضَ إنْسَانٌ عَلَيْهِ الْمَاءَ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ وَبِالنِّسْيَانِ زَالَتْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ فَجَازَ تَيَمُّمُهُ وَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ نَفَذَ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ ثَابِتَةٌ بِعِلْمِهِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِظَنِّهِ وَعَلَيْهِ التَّفْتِيشُ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ (وَإِذَا كَانَ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ جِرَاحَاتٌ فِي بَعْضِ جَسَدِهِ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَالْمُعْتَبَرُ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ) فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ صَحِيحًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا فَعَلَيْهِ التَّيَمُّمُ دُونَ غَسْلِ الصَّحِيحِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا فَالْعِبْرَةُ بِجَمِيعِ الْجَسَدِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ مَجْرُوحًا تَيَمَّمَ وَصَلَّى عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ فِيمَا هُوَ صَحِيحٌ فِي الْوُجُوهِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْغُسْلِ عَمَّا هُوَ مَجْرُوحٌ لِضَرُورَةِ الضَّرَرِ فِي إصَابَةِ الْمَاءِ وَالثِّيَابِ وَالضَّرُورَةُ تَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.
(وَلَنَا) أَنَّ الْأَقَلَّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ «فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمَجْدُورِ كَانَ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ» وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ أَنَّهُ يَغْسِلُ مَا بَيْنَ كُلِّ جُدَرِيَّيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأَكْثَرِ وَإِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مَجْرُوحًا فَكَأَنَّ الْكُلَّ مَجْرُوحٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ عَلَى سَبِيلِ رَفْوِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَإِذَا كَانَ الْأَكْثَرُ مَجْرُوحًا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّيَمُّمِ فَسَقَطَ فَرْضُ الْغُسْلِ لِهَذَا.
قَالَ (وَإِنْ أَجْنَبَ الصَّحِيحُ فِي الْمِصْرِ فَخَافَ أَنْ يَقْتُلَهُ الْبَرْدُ إنْ اغْتَسَلَ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَالْمُسَافِرِ إذَا خَافَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُمَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَلَا يُجْزِئُهُ فِي الْمِصْرِ قَالَا: لِأَنَّ السَّفَرَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ خَوْفُ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ فَإِنَّهُ لَا يَجِدُ مَاءً سَخِينًا وَلَا ثَوْبًا يَتَدَفَّأُ بِهِ وَلَا مَكَانًا يَأْوِيهِ وَأَمَّا الْمِصْرُ لَا يَعْدَمُ أَحَدٌ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إلَّا نَادِرًا وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّادِرِ وَلِهَذَا لَمْ يُجْعَلْ عَدَمُ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ مُجَوِّزًا لِلتَّيَمُّمِ بِخِلَافِ خَارِجِ الْمِصْرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: الْمُسَافِرُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ فَإِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ كَانَ هُوَ كَالْمُسَافِرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَرَجِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ ثَابِتٌ فِيهِمَا وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ فَالْمِصْرُ وَالسَّفَرُ لَهُ سَوَاءٌ كَالْمَرِيضِ وَأَمَّا الْمَحْبُوسُ فِي السِّجْنِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ نَظِيفٍ وَهُوَ لَا يَجِدُ الْمَاءَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ إنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ لَمْ يُصَلِّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ يُصَلِّي ثُمَّ يُعِيدُ وَهُوَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا حَتَّى لَا يَسْقُطَ عَنْهُ الْفَرْضُ بِالتَّيَمُّمِ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَلَمْ يَكُنْ التَّيَمُّمُ طَهُورًا لَهُ وَلَا صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ.
وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ إنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا نَادِرًا فَأَمَّا فِي السِّجْنِ فَعَدَمُ الْمَاءِ لَيْسَ بِنَادِرٍ فَكَانَ مُعْتَبَرًا فَأُمِرَ بِالصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ فَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا لَوْ كَانَ فِي السَّفَرِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُعِيدُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ كَانَ لِمَعْنًى مِنْ الْعِبَادِ وَوُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِالطَّهَارَةِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْقُطُ بِمَا هُوَ مِنْ عَمَلِ الْعِبَادِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ هُنَاكَ جَوَازَ التَّيَمُّمِ لِعَدَمِ الْمَاءِ لَا لِلْحَبْسِ فَلَا صُنْعَ لِلْعِبَادِ فِيهِ فَهُوَ نَظِيرُ الْمُقَيَّدِ إذَا صَلَّى قَاعِدًا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ إذَا رُفِعَ الْقَيْدُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ.
وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَكَان قَذِرٍ لَا يَجِدُ صَعِيدًا طَيِّبًا وَلَا مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ تَشَبُّهًا بِالْمُصَلِّينَ وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ وَنُسَخِ أَبِي حَفْصٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَصْلِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ قَوْلَهُ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَاقِلَ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَتَشَبَّهُ بِالْمُصَلِّينَ فِيهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَالتَّكْلِيفِ إنَّمَا يَتَثَبَّتُ بِحَسَبِ وُسْعِهِ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الصَّلَاةَ بِغَيْرِ طَهُورٍ مَعْصِيَةٌ وَلَا يَحْصُلُ التَّشَبُّهُ بِالْمُصَلِّينَ فِيمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ.
وَمِنْ نَظَائِرِهِ الْهَارِبُ مِنْ الْعَدُوِّ مَاشِيًا وَالْمُشْتَغِلُ بِالْقِتَالِ فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ وَالسَّابِحُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ مَا انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُصَلُّونَ بِالْإِيمَاءِ تَشَبُّهًا ثُمَّ يُعِيدُونَ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يُصَلُّونَ؛ لِأَنَّ مَعَ الْعَمَلِ مِنْ الْقِتَالِ وَالسِّبَاحَةِ وَالْمَشْيِ لَا تَكُونُ الصَّلَاةُ قُرْبَةٌ وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ» لِكَوْنِهِ كَانَ مَشْغُولًا بِالْقِتَالِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
قَالَ (مُسَافِرٌ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ ثُمَّ أَهَرَاقَ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَهْقَهَ فِيهَا وَوَجَدَ الْمَاءَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَيَغْسِلَ مَا بَقِيَ مِنْ بَعْضِ جَسَدِهِ) لِأَنَّ شُرُوعَهُ فِي الصَّلَاةِ قَدْ صَحَّ بِالتَّيَمُّمِ، وَالْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ لَوْ طَرَأَ عَلَى غَسْلِ الْأَعْضَاءِ نُقِضَ طَهَارَتُهُ فِيهَا، فَكَذَلِكَ إذَا طَرَأَ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ نَاقِضٌ لِلطَّهَارَةِ الَّتِي بِهَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَشُرُوعُهُ فِي الصَّلَاةِ هُنَا بِالتَّيَمُّمِ لَا بِغَسْلِ وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ وَلَا تَنْتَقِضُ بِالْقَهْقَهَةِ طَهَارَتُهُ فِي الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْغَسْلِ فِيهِمَا كَمَا لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْغَسْلِ فِيمَا غَسَلَ مِنْ جَسَدِهِ سِوَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ.
قَالَ (جُنُبٌ اغْتَسَلَ فَبَقِيَ عَلَى بَدَنِهِ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي) لِأَنَّ زَوَالَ الْجَنَابَةِ مُعْتَبَرٌ ثُبُوتُهَا حُكْمًا فَكَمَا لَا يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُهَا فِي بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ الْبَعْضِ فَكَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ زَوَالُهَا مَا بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ؛ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى مَا يُطَهِّرُهُ وَلَا يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عَنْ الْحَدَثِ فَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ قَبْلَ غَسْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ إنْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي وَجَدَهُ يَكْفِيهِ لِلُّمْعَةِ وَالْوُضُوءِ غَسَلَ اللُّمْعَةَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ؛ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ مَعَهُ مَا يُوَضِّئهُ، وَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ وَتَيَمُّمُهُ لِلْجَنَابَةِ بَاقٍ وَلَكِنَّهُ يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي اللُّمْعَةِ لِتَقْلِيلِ الْجَنَابَةِ وَإِنْ كَانَ يَكْفِيهِ لِلُّمْعَةِ دُونَ الْوُضُوءِ غَسَلَ بِهِ اللُّمْعَةَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ، وَإِنْ كَانَ يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ دُونَ اللُّمْعَةِ تَوَضَّأَ بِهِ وَتَيَمُّمُهُ لِلْجَنَابَةِ بَاقٍ، وَإِنْ كَانَ يَكْفِيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ غَسَلَ بِهِ اللُّمْعَةَ لِتَزُولَ بِهِ الْجَنَابَةُ فَإِنَّ حُكْمَهَا أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ حَتَّى يُمْنَعَ الْجُنُبُ مِنْ الْقِرَاءَةِ دُونَ الْمُحْدِثِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ فَإِنْ بَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ أَجْزَأَهُ فِي رِوَايَةِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُجْزِهِ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ مَاءٌ يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ فَلَا يُعْتَبَرُ تَيَمُّمُهُ وَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَاءَ مُسْتَحَقٌّ لِلُّمْعَةِ فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ الْحَدَثِ كَالْمُسْتَحِقِّ لِلْعَطَشِ، وَشُبِّهَ هَذَا بِسُؤْرِ الْحِمَارِ فِي أَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُسَافِرُ بَيْنَ التَّوَضُّؤِ بِهِ وَالتَّيَمُّمِ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْوُضُوءِ بِهِ فَإِنْ بَدَأَ بِالتَّيَمُّمِ أَجْزَأَهُ فَكَذَلِكَ هُنَا.
قَالَ (مُتَيَمِّمٌ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ وَجَدَ سُؤْرَ حِمَارٍ مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ) لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِي طَهَارَتِهِ وَشُرُوعُهُ فِي الصَّلَاةِ قَدْ صَحَّ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالشَّكِّ فَلِهَذَا يُتِمُّ الصَّلَاةَ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُعِيدُ احْتِيَاطًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُ الْحِمَارِ طَاهِرًا.
قَالَ (وَلَوْ وَجَدَ نَبِيذَ التَّمْرِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُتِمُّ صَلَاتَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُعِيدُ لِأَنَّهُ كَسُؤْرِ الْحِمَارِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُتِمُّ صَلَاتَهُ وَلَا يُعِيدُ؛ لِأَنَّ النَّبِيذَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقْطَعُ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ عِنْدَهُ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ فَتَنْتَقِضُ صَلَاتُهُ بِوُجُودِهِ فَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَسْتَقْبِلُ وَإِنْ وَجَدَ سُؤْرَ الْحِمَارِ وَالنَّبِيذَ جَمِيعًا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَيَتَوَضَّأُ بِهِمَا ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ؛ لِأَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ إنْ كَانَ طَاهِرًا فَالنَّبِيذُ مَعَهُ لَيْسَ بِطَهُورٍ فَلِهَذَا تَوَضَّأَ بِهِمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ تَوَضَّأَ بِهِمَا وَأَعَادَ الصَّلَاةَ احْتِيَاطًا.